الثبات واسبابه
المقدمه:-
أحبائى فى الله:
سنقف وإياكم في هذه الدقائق الغالية مع الثبات واسباب الثبات لعلنا نكون واياكم ممن ثبتهم الله على الحق حتى ماتوا عليه
نتكلم على الثبات في وقت تمر الأمة فيه بمراحل حرجة من حروب وفتن ربما لو فكر فيها الرجل العاقل لشرد ذهنه وانخلع قلبه مما يرى، ولكن اعلم أخي المسلم أن الثبات على الحق والتمسك به من صفات المؤمنين الصادقين، قال - تعالى -: ((يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ))إبراهيم27 وقدوتنا في ذلك هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد لاقى ما لاقى ومع ذلك كان أشد ثباتًا حتى بلغ رسالة ربه على أتم وجه.
ويقول الامام الشهيد حسن البنا:
وأريـــد بالثبـــــــــــــــــــــــــات:
أن يظل الأخ عاملا ًمجاهداً فى سبيل غايته ،مهما بعدت المدة وتطاولت السنوات والأعوام،حتى يلقى الله - تعالى- على ذلك وقد فاز بإحدى الحسنَيين ،فإما الغايه وإما الشهادة فى النهايه }من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا {
والوقت عندنا جزء من العلاج والطريق طويلة المدى بعيدة المراحل كثيرة العقبات ولكنها وحدها التى تؤدى الى المقصود مع عظيم الأجر وجميل المثوبة
أنواع الثبات:
1- الثبات على المنهج 2-الثبات على الحق 3- الثبات على الطاعه
4- الثبات على التوبه 5-الثبات بعد رمضان 6- الثبات حتى الممات
أحبائى فى الله:
عليكم أن تجتهدوا في أخذ أسباب الثبات وأن تحتفوا بها علماً بأن المقام جد خطير والنتائج لا تخالف مقدماتها والمسببات مربوطة بأسبابها وسنن الله ثابتة لا تتغير، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
الاسباب المعينه على الثبات:
أولاً:- الشعور بالفقر إلى تثبيت الله - تعالى - وذلك أنه ليس بنا غنى عن تثبيته طرفة عين فإن لم يثبتنا الله وإلا زالت سماء إيماننا وأرضُه عن مكانها وقد قال مخاطباً خير خلقه وأكرمهم عليه: ((وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً")) وقال - تعالى -: ((إذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا))وكان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يكثر من قوله: ((لا ومصرف القلوب)) كما روى ابن ماجه بسند جيد مما يؤكد أهمية استشعار هذا الأمر واستحضاره.
ثانيا:- ًومن أسباب الثبات على الخير والصلاح الإيمان بالله تعالى
قال عز وجل -: ((يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة")). إبراهيم 27 والإيمان الذي وعد أهله وأصحابه بالتثبيت هو الذي يرسخ في القلب وينطق به اللسان وتصدقه الجوارح والأركان فليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل فالالتزام الصادق في الظاهر والباطن والمنشط والمكره هو أعظم أسباب التثبيت على الصالحات
قال الله تعالى -: ((وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً)). فالمثابرة على الطاعة المداوم عليها المبتغى وجه الله بها موعود عليها بالخير والتثبيت من الله مقلب القلوب ومصرفها.
ثالثاً:- من أسباب الثبات على الطاعة والخير ترك المعاصي والذنوب صغيرها وكبيرها ظاهرها وباطنها فإن الذنوب من أسباب زيغ القلوب فقد قال - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه:
((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن))
وأما الصغائر فعن سهل بن سعد - رضي الله عنه -قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إياكم ومحقرات الذنوب كقوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه))
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى *** واصنع كماش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صـغـيرة إن الجبال من الحصى
رابعاً:- من أسباب الثبات على الإسلام والإيمان الإقبال على كتاب الله تلاوة وتعلماً وعملاً وتدبراً فإن الله - سبحانه و تعالى - أخبر بأنه أنزل هذا الكتاب المجيد تثبيتاً للمؤمنين وهداية لهم وبشرى قال الله تعالى -:
((قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ")) فكتاب الله هو الحبل المتين والصراط المستقيم والضياء المبين لمن تمسك به وعمل.
خامسا:-ً ومن أسباب الثبات على الصالحات عدم الأمن من مكر الله
فإن الله - سبحانه و تعالى - قد حذر عباده مكره فقال عز وجل -:
((أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)) وقد قطع خوف مكر الله - تعالى - ظهور المتقين المحسنين وغفل عنه الظالمون المسيئون كأنهم أخذوا من الله الجليل توقيعاً بالأمان وقال الله تعالى -: ((أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ` سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ))
أما المحسنون من السلف والخلف فعلى جلالة أقدارهم وعمق إيمانهم ورسوخ علمهم وحسن أعمالهم فقد سلكوا درب المخاوف يخافون سلب الإيمان وانسلاخ القلب من تحكيم الوحي والقرآن حتى صاح حاديهم يقول:
والله ما أخشى الذنـوب فإنها *** لعلى سبيل العفو والغفران
لكنما أخشى انسلاخ القلب من *** تحكيم هذا الوحي والقرآن
قال ابن القيم رحمه الله: ((إن العبد إذا علم أن الله - سبحانه و تعالى - مقلب القلوب وأنه يحول بين المرء وقلبه وأنه - تعالى - كل يوم هو في شأن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وأنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء ويرفع من يشاء ويخفض من يشاء فما يؤمّنه أن يقلب الله قلبه ويحول بينه وبينه ويزيغه بعد إقامته وقد أثنى الله على عباده المؤمنين بقوله: ((رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا)) فلولا خوف الإزاغة لما سألوه أن لا يزيغ قلوبهم.
سادسا:- من أسباب الثبات على الهدى والحق سؤال الله التثبيت
فإن الله هو الذي يثبتك ويهديك -: فألحوا على الله - تعالى - بالسؤال أن يربط على قلوبكم ويثبتكم على دينكم فالقلوب ضعيفة والشبهات خطافة والشيطان قاعد لك بالمرصاد ولك فيمن تقدمك من المؤمنين أسوة حسنة فإن من دعائهم: ((رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)). وما ذكره الله - تعالى - عنهم: ((رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)). وقد كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك))
سابعا:-ً من أسباب الثبات على الإيمان نصر دين الله الواحد الديان ونصر أوليائه المتقين قال الله تعالى -: ((إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ))
ونصر دين الله - تعالى - وأوليائه يكون بطرائق عديدة لا يحدها حد ولا تقف عند رسم فالدعوة إلى الله بجميع صورها نصر لدين الله وطلب العلم نصر لدين الله والعمل بالعلم نصر لدين الله وجهاد الكفار والمنافقين والعصاة نصر لدين الله والرد على خصوم الإسلام وكشف مخططاتهم نصر لدين الله والبذل في سبيل الله والإنفاق في وجوه البر نصر لدين الله والذب عن أهل العلم والدعوة وأهل الخير والصحوة نصر لدين الله وطرائق نصر دين الله وأوليائه كثيرة جعلنا الله وإياكم منهم من أوليائه وأنصار دينه ولا تحقرن من هذه الأعمال شيئاً فقاعدة الطريق اتق النار ولو بشق تمرة
ثامناً:- من أسباب الثبات على الهدى الرجوعُ إلى أهل الحق والتقى من العلماء والدعاة فهم أوتاد الأرض ومفاتيح الخير ومغاليق الشرفافزع إليهم عند توالي الشبهات وتعاقب الشهوات قبل أن تنشب أظفارها في قلبك فتوردك المهالك قال ابن القيم - ر حمه الله - حاكياً عن نفسه وأصحابه: (وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت بنا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه – أي شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله عنا وينقلب انشراحاً وقوة ويقيناً وطمأنينة).
تاسعاًً:- من أسباب الثبات على الحق والتقى الصبر على الطاعات والصبر عن المعاصي
فإنه لن يحصل العبد الخيرات إلا بهذا وقد أمر الله - تعالى - نبيه بالصبر فقال: ((وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا")) وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وما أعطي أحدٌ عطاء خيراً وأوسع من الصبر))
فالصبر مثل اسمه مر مذاقته *** لكن عواقبه أحلى من العسل
عاشرا:-ً من أسباب الثبات على الحق والهدى ترك الظلم
فالظلم عاقبته وخيمة وقد جعل الله التثبيت نصيب المؤمنين والإضلال حظ الظالمين فقال جل ذكره: ((يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ))إبراهيم 27
. فاتقوا الظلم أيها المؤمنون اتقوا ظلم أنفسكم بالمعاصي والذنوب واتقوا ظلم أهليكم بالتفريط في حقوقهم والتضييع لهم واتقوا ظلم من استرعاكم الله إياهم من العمال ونحوهم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.
وقال - صلى الله عليه وسلم –(( تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودًا فأيما قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء وأيما قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تصير القلوب على قلبين، قلب أبيض كالصفا، وقلب أسود مربادا كالكوز مجخيا (أي مقلوبًا) لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرًا.))
الحادي عشر:- ومن أسباب الثبات على الدين والصلاح كثرة ذكر الله - تعالى
كيف لا وقد قال جل شأنه : ((أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت))
وقد أمر الله - تعالى - عباده بالإكثار من ذكره فقال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيرا ` وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ` هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً))) فذكر الله كثيراً وتسبيحه كثيراً سبب لصلاته سبحانه وصلاة ملائكته التي يخرج بها العبد من الظلمات إلى النور فيا حسرة الغافلين عن ربهم ماذا حرموا من خيره وفضله وإحسانه.
وفــــــــــــــــــى الختــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــام نقــــــــــــــول:-
اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة, اللهم ثبتنا على الطاعة يارب العالمين